يكتب بيتر أوبورن عن لقائه الأول بميني مناوي قبل عشرين عامًا حين قاد تمردًا لحماية سكان دارفور من ميليشيات الجنجويد المدعومة من حكومة الخرطوم، ثم يروي كيف التقى به مجددًا الأسبوع الماضي في بورتسودان، لا كمتمرد، بل كحاكم لإقليم دارفور يقف اليوم إلى جانب ما تصفه القوات المسلحة السودانية في بورتسودان بـ«حكومة الأمل».
يوضح الكاتب أن العدو بقي نفسه؛ الجنجويد ذاتها تعود اليوم في هيئة «قوات الدعم السريع» التي تواصل حربًا قديمة بوسائل أكثر وحشية وتسليحًا.
ويشير ميدل إيست آي إلى أنّ جذور المأساة الحالية تعود إلى عام 2013 حين حاول نظام عمر البشير استيعاب الجنجويد عبر تحويلها إلى قوة شبه عسكرية تحمل اسم قوات الدعم السريع وربطها بمؤسسات الدولة.
في 2017 أقرّ البرلمان قانونًا يربط هذه القوة بالجيش، لكن هذا «الزواج السياسي» انهار سريعًا بعد سقوط البشير في 2019 وتشكيل حكومة مشتركة مدنية – عسكرية انهارت بدورها بعد عامين.
لاحقًا اندلع صراع مفتوح بين عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو «حميدتي» حول دمج الدعم السريع في الجيش، ثم أصدر البرهان قرارًا بحل القوة، لكن بعد فوات الأوان، إذ ظهرت كتنظيم أقوى وأكثر تسليحًا ومدعومًا دوليًا، خصوصًا من الإمارات.
حكم الرعب والانتهاكات الواسعة
ينفي الكاتب فرضية أن الصراع مجرد تنافس على السلطة بين طرفين متشابهين، ويؤكد، استنادًا إلى ما شاهده وسمعه خلال رحلته في السودان، أن قوات الدعم السريع تمارس جرائم ممنهجة: قتل جماعي وخطف واغتصاب جماعي واستعباد جنسي وتعذيب وتطهير عرقي. ينشر مقاتلوها مقاطع لجرائمهم، ويخرّبون مؤسسات ثقافية مثل المتحف القومي في الخرطوم.
يشرح أوبورن أن هذه الممارسات تبرر استخدام مصطلح الإبادة الجماعية، ويستشهد بمقارنة أطلقها نائب قائد الجيش السوداني الفريق ياسر العطا بين الدعم السريع وجيش جنكيز خان من حيث بث الرعب والتدمير المنهجي. رغم اتهامات للجيش بغارات عشوائية في المناطق الحضرية، يؤكد الكاتب أن حجم الجرائم المنسوبة للدعم السريع أوسع وأبشع، خاصة بعد اجتياح مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور.
صمت مُشتَرى ودور خارجي مثير للجدل
يبرز اتهام العطا بأن قوات الدعم السريع تعمل كـ«أداة في يد الإمارات»، ويصف كيف يُرتِّب المال السياسي صمتًا عالميًا حيال المجازر. يشير الكاتب إلى تقرير لصحيفة “الجارديان” كشف محاولات لمسؤولين بريطانيين لكبح انتقادات تطال الإمارات بشأن تسليح ميليشيا تُتَّهم بتطهير عرقي في السودان، وهي اتهامات تنفيها لندن.
يضيف أن تقارير تحدثت عن وصول معدات بريطانية إلى أيدي الدعم السريع عبر الإمارات، بما في ذلك محركات بريطانية داخل ناقلات مدرعة، بينما تواصل بريطانيا توسيع مبيعات السلاح لأبوظبي رغم المعرفة بتسريب هذه المعدات.
يؤكد أوبورن أن الوزراء البريطانيين لا يكتفون بالصمت عن دور الإمارات، بل يتجنبون حتى ذكر اسمها في نقاشات البرلمان حول السودان. يربط هذا الموقف بالمصالح الاقتصادية الضخمة، إذ تُعد الإمارات أكبر شريك تجاري لبريطانيا في الشرق الأوسط ومستثمرًا كبيرًا في قطاعات حساسة، مثل ملكية نادي مانشستر سيتي.
المقارنة مع غزة والصورة القاتمة
يضفي الكاتب بُعدًا أخلاقيًا على التحليل حين يشبّه ما يجري في السودان بما يحدث في غزة: إبادة تُنفَّذ على مرأى العالم، وصمت سياسي يرافق الجرائم بحسابات المصالح. يذكر تقديرات مروّعة: أكثر من 150 ألف قتيل، ونحو 12 مليون نازح.
يضيف أن شهادات الناجين تكشف استهدافًا قائمًا على العِرق والقبيلة، وأن كثيرًا من المعتدين يتحدثون لغات غير مفهومة، ما يرجّح مشاركة مرتزقة من دول مجاورة مثل تشاد ومالي وليبيا.
وفي خاتمته، يوضح الكاتب أن مرافقته خلال الرحلة جاءت عبر جهات متعاطفة مع الحكومة السودانية ولم يدخل مناطق يسيطر عليها المتمردون
لم ترد سفارة الإمارات في لندن على طلبات تعليق.
وبينما تتراكم الأدلة على جرائم الدعم السريع ضد المدنيين والمؤسسات الثقافية، تتشكل صورة لإبادة مستمرة، بدعم خارجي وصمت دولي، في مشهد يوازي صور الدمار في غزة ويعيد السؤال الأشد مرارة: متى يكسر العالم دائرة الإفلات من العقاب؟
https://www.middleeasteye.net/opinion/britain-allowing-another-gaza-unfold-sudan

